بعد أفغانستان..الصين وروسيا تختبران بايدن
الفاينانشال تايمز - ترجمة قاسم مكي -
أعلن جو بايدن قبل أسابيع قليلة أن «أمريكا تعود». لكن أمريكا في أفغانستان «تخرج». فقد أعلن الرئيس الأمريكي لتوه انسحاب كل ما تبقى من القوات الأمريكية هناك. وبهذا ستنتهي حربٌ امتدت 20 عاما في تاريخ رمزي هو الحادي عشر من سبتمبر 2021.
وسيتساءل العالم المتفرج عما إذا كان ذلك يعني وجود فجوة بين خطاب البيت الأبيض (ما تقوله واشنطن ) حول الارتباط بالعالم وواقع انسحابها المستمر.
يصر بايدن على أن تلك ليست هي الحال. ويحاجج بأن أمريكا حققت أهدافها في مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وتنوي الآن «خوض معارك العشرين عاما القادمة وليس العشرين عاما الماضية». لكن التصورات التي تتشكل في الأذهان مهمة. فالخطورة تتمثل في أن الانسحاب من أفغانستان سيُعتبر، خارج الولايات المتحدة، شبيها بالفشل في فيتنام. ويمكن أن يقود في النهاية إلى سقوط كابول في يد طالبان مثلما سقطت سايجون (عاصمة فيتنام الجنوبية) على يد فيتنام الشمالية في عام 1975.
القوى المنافسة للولايات المتحدة وتحديدا روسيا والصين يمكنها الآن أن تتجرأ على إخضاع عزيمة إدارة بايدن لاختبار آخر. ونقاط الاشتعال الواضحة هي أوكرانيا وتايوان. ففي الأسابيع الأخيرة حشد الكرملين أعدادا من الجنود على حدوده مع أوكرانيا تزيد عن أية قوات سبق له أن نشرها هناك منذ «استيلاء» روسيا على القرم عام 2014. وفي الأسبوع الماضي أرسلت الصين عددا قياسيا من الطائرات العسكرية إلى المجال الجوي التايواني. ويجمع كلا البلدين بين استعراض للعضلات العسكرية وخطاب شبيه بلغة الحرب.
بايدن نفسه استخدم لغة صدامية مع روسيا والصين. فهو قد دمغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقاتل ووصفت إدارته إجراءات الصين في شينجيانج بالإبادة الجماعية.
وفرضت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات على المسؤولين الروس والصينيين وخففت من القيود على اجتماع المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم التايوانيين.
الوضع الإستراتيجي في آسيا وأوروبا متشابه في جانب رئيسي واحد. لقد عبرت الولايات المتحدة عن دعمها القوي لكل من تايوان وأوكرانيا. لكن لايتمتع أي من البلدين بضمانات أمنية أمريكية واضحة.
تعتمد الولايات المتحدة على سياسة «الغموض الإستراتيجي» تجاه تايوان. والفكرة هي أن على الصين إدراك وجود احتمال قوي في أن تحارب الولايات المتحدة دفاعا عن تايوان، لكن دون وعد قاطع منها بذلك. وعلى نحو شبيه لم تفصح الولايات المتحدة إطلاقا عما ستفعله إذا قامت روسيا بغزو واسع النطاق لأوكرانيا.
على الرغم من أن تايوان وأوكرانيا تفصل بينهما آلاف الأميال وخصماهما مختلفان إلا أن المواجهتين تبدوان مرتبطتين.
ويعتقد إيفو دالدِر، وهو سفير أمريكي سابق لدى الناتو،أن «موسكو وبيجينج ستدرسان بعناية كيفية رد فعلنا تجاه أحد الوضعين (في أوكرانيا أو تايوان) استعدادا للوضع الآخر.» ويرى دالدِر أن هنالك حاجة «إلى وضوح استراتيجي أكبر حول ما سنفعله إذا تحركت روسيا عسكريا ضد أوكرانيا أو الصين تجاه تايوان » هنالك أصوات في الولايات المتحدة تدعو واشنطن إلى تقديم ضمانات أمنية صريحة لتايوان وتطلب من الناتو تسريع العملية التي من شأنها السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف. والأمل هو أن تردع هذه التحركات موسكو وبيجينج، وبذلك تقلل من خطر نشوب الحرب لخطأ في التقدير.
الحجة المعارضة لهذه التعديلات في السياسات هي أن الصين وروسيا قد تفسرانها كتحوُّل مهدّدٍ لهما في «الوضع القائم» وتشعران بأنهما مجبرتان على الرد.
أيضا قد يشعر حلفاء أمريكا في آسيا وأوروبا أن الضمانات الأمنية الصريحة لتايوان وأوكرانيا شديدة الاستفزاز.
لقد أكد البيان المشترك الذي أصدره بايدن ورئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا عقب اجتماعهما الأسبوع الماضي على أهمية السلم في مضيق تايوان. لكنه ظل غامضا حول الكيفية التي يمكن أن ترد بها واشنطن وطوكيو إذا اندلع صراع.
من الواضح أنه سيكون من الصعب على نحو خاص لإدارة بايدن الرد على أزمتين متزامنتين حول تايوان وأوكرانيا.
ويخشى بعض الإستراتيجيين الغربيين من أن موسكو وبيجينج ربما تنسِّقان تحركاتهما لتشديد الضغط على إدارة بايدن. ويشيرون إلى ارتفاع وتيرة الاجتماعات الرفيعة بين الحكومتين الروسية والصينية.
أيضا أصدرت بيجينج وموسكو بيانات بعد اجتماعٍ انعقد مؤخرا بين وزيري خارجيتيهما أشارتا فيها إلى عمق علاقتهما الإستراتيجية وإلى رفضٍ أكثر صراحة لنظام عالمي يقوده الغرب.
وربما تزيد الأوضاع الداخلية في روسيا والصين أيضا من مخاطر الصراع. فبوتين سجن مؤخرا أليكسي نافالني، أشهر وأخطر زعيم سياسي معارض يواجهه على الإطلاق. ونافالني الآن مضرب عن الطعام وقد يموت قريبا مما سيقود إلى المزيد من الاحتجاجات.
هذا ويعرف الكرملين أن الصراع حول أوكرانيا عزز شعبية بوتين في عام 2014. وقد تبدو حرب صغيرة أخرى خيارا مغريا.
وفيما يعدُّ الحزب الشيوعي الصيني للاحتفال بمئوية تأسيسه لاحقا هذا العام، ربما يتطلع الرئيس شي جينبينج إلى انتصار حول تايوان.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن شي ومستشاريه أقنعوا أنفسهم بأن الولايات المتحدة تعاني تدهورا عميقا ونهائيا (لارجعة عنه). وهم يخشون من أن القيادة الصينية قد تؤمن بأن الولايات المتحدة ستتراجع في النهاية بدلا عن خوض القتال حول تايوان.
لكن حتى المسؤولين الأشد إحساسا بالثقة وولاء قوميا في بيجينج وموسكو سيظلوا مدركين لمخاطر المواجهة الصدامية حول تايوان وأوكرانيا. والاحتمال الراجح هو أن روسيا والصين ستواصلان استخدام تكتيك «المنطقة الرمادية» الذي يقف بهما عند حافة الحرب الشاملة. فالدخول في الحرب، كما اكتشفت أمريكا في فيتنام، أسهل كثيرا من السيطرة على نتائجها.
